-->

11‏/06‏/2011

لماذا ينجح البعض ويفشل بعضهم ؟؟
ذات مرة كنت أمشي ماراً بأحد الشوارع الفرعية للسوق المحلي العتيق في أمدرمان ... وإذا بي أشاهد زميلي في الجامعة (صالح) وقد كان ممن تظهر عليهم علامات الغنى والثراء عندما أشاهده في الجامعة ، فهو يمتلك سيارته الخاصة ويلبس أجمل الثياب وأرقاها وكان على درجة كبيرة من الذكاء الإجتماعي ، ومدرك لكيفية تعامله اللطيف مع الزملاء والزميلات ، وعلى حد علمي فقد كان وحيد والديه ، ولكني أراه أمامي الآن وهو يلبس ملابس رثة بالية ويحمل في ظهره شوالاً من الحبوب والمحاصيل ويقوم بتحميله من إحدى السيارات الكبيرة الواقفة بجوار إحدى المخازن ... وعجبت لهذا الأمر ... ثم اقتربت أكثر لأتأكد بأنه صالح ، وفعلاً فقد كان صالح ، بعدها لمحني فألقيت عليه التحية والسلام ، فسلم علي بكل ود وترحاب ... فقلت له : صالح ماذا تفعل هنا ؟؟ هل تساعد والدك أو أحد أقربائك في تحميل هذه الشحنة ، فأجابني قائلاً : وما الذي يدعوك
لتعتقد بأنني أساعد أحدهم ، فالمساعدة تكون دون مقابل ... فاستغربت لقوله ذلك ثم أردفت قائلاً : إذن فأنت تعمل ؟؟
فرد علي قائلاً : نعم يا صديقي هذا عمل وأنا أقوم بهذا العمل لأكسب قوتي وهؤلاء العمال أجراء لدى والدي وأنا أعمل معهم وأكسب قوتي مثلهم بالعمل لدى والدي ... حقيقة تعجبت لهذا ، وقبل أن أنطق بكلمة قال لي : مالك تعجبت ؟ فقلت له : إنني أحتار في أمرك .. إنك لا تحتاج لكل هذا العناء لتكسب عيشك فوالدك رجل ثري ويمكنك طلب ماتريد منه دون أن ترهق نفسك بهذا الشكل ، فأردف قائلاً : لا تغادر يا صديقي واجلس عند المقهى لنحتسي القهوة وسآتيك حالاً ريثما أنتهي فلم يتبقى سوى القليل ، وفي الواقع لم أكن في عجلة من أمري ، فجلست على ناصية المقهى القريب من المخازن تلك ...
    ثم أتاني (صالح) يمسح بطرف قميصه البالي وجهه من آثار تعرقه وتعبه ، ثم جلس بجواري وقال لي : أتريد أن أحكي لك قصتي وكيف أكسب قوتي من عملي لدى والدي ؟فأجبته : إن كنت لا تمانع ، فقال حسناً ، ثم نادى على صبي المقهى ليحضر لنا القهوة ، ثم أخذ يسرد لي قصته المشوقة الغريبة ..... !!!
    بدأ (صالح) بقوله : ((الحياة يا صديقي مسرح كبير يؤدي كل منا دوره فيه ، وقد علمني والدي كيف أختار دوري الذي أريد)) ، إن والدي يا محمد رجل ليس بالبخيل أو الجشع لكي تعتقد أنه يجبرني للعمل لديه لأجل أن أقتات ، إنه رجل قد علمني كيف أعيش ... لقد ولد والدي في أسرة فقيرة تتكون من والديه وإخوته الثمانية ، وكان والده (جدي) يعمل مزارعاً موسمياً لدى الغير في مواسم الزراعة وعاملاً أجيراً لنقل الحصاد للأسواق ، وكان يعمل بكل قوته وطاقته ليكسب لنا قوت يومنا أنا وإخوتي ، وقد كانت والدتي تساعده بالدخل لأسرتنا الكبيرة فهي تخيط الملابس لأهل الحي ، وما زلت أذكر تلك المعاناة التي مررنا بها أياماً وشهوراً كنا ننام فيها دون عشاء ، ولكن الحمد لله فقد أبدل الله حالنا من حال إلى حال ...
    فقاطعت كلامه قائلاً : ولكن كيف لوالدك في هذه السنوات القليلة أن ينتقل هذه النقلة النوعية لكي يصبح من كبار تجار المحاصيل في البلاد ؟؟  فقال لي : لقد كان لوالده هدف ، وهو أن يعدل وضعه المادي ، وأذكر أنه ذات مرة وأنا صغير وهو قادم من عمله سمعته يقول لوالدتي (لا أريد لأبنائي أن يعانوا مثلما عانيت) فتربت والدتي على كتفه وهي تقول له (ابحث عن كيفية تحقيق رغبتك وسوف تصل لما تريد) ، لم أفهم كلامها وقتها ، ولكنني رأيت والدي صبوراً يعمل بكل قوته ، وحينما أراقبه كنت أنظر في عينيه فأرى فيها أنه رجل يترقب أن يتحقق حلمه بأن يغدو في نعيم العيش وأرغده ،، وهو دائم التفكير في ذلك ، بعدها بفترة جاءته فرصة ولكنها مغامرة حاول أن يغتنمها لكي تكون له فاتحة خير ... فقد كان أحد أصحاب الأراضي يرغب في تأجير أرضه الزراعية لأنه لم يعد قادراً على إدارة الأرض بحكم تعدد أسفاره بين البلدان فهو يعمل في الاستيراد والتصدير وعضو في اتحاد العمال وعدم تواجده الذي جعله غير قادر على مباشرة أعماله فيها فآثر أن يؤجرها ... فاستشار والدي والدتي ، وأيدته وأثنت على فكره وساندته بالكلام الطيب والتشجيع وشدت من أزره وكانت له نعم الرفيقة على دربه للنجاح ... فتوكل والدي على الله وقد كنا نحن أبنائه أعوانه في فلاحة وزراعة الأرض إلى أن ربح زرعه في ذلك الموسم مما جعلها تفيض وتغدق على من حوله من الخير ، ولا زلت أذكر الهدايا التي جلبها لنا ولدي في ذلك الموسم فرحاً وتيمناً ببدأ مشواره نحو تحقيق هدفه ، ومن يومها ونحن نعمل لدى والدي بعد إنتهاء المدرسة في المزرعة.
     ولم تكن هذه نهاية الطريق فبعد ثلاثة مواسم عرض مالك الأرض أرضه للبيع ليتفرغ لأعماله الأخرى ، فخطرت لوالدي فكرة شرائها ولكنه لم يكن يملك ثمنها بالكامل ، فاستشار رفيقة دربه والدتي ، فأشارت عليه بأنها فكرة ممتازة ولكن المال يقف حاجزاً وراء تحقيق هدفه ذلك ... وأذكر أنه كان كثير التفكير بهذه الأرض التي أدرت عليه الخير وكم تمنى لو أنه يستطيع ان يشتريها ... فقد كان تفكيره مشدودا باتجاه امتلاك الأرض ، عندها خطرت له فكرة !!!
     قرر والدي أن يوفر المال بأن يقترض ما تبقى له من سعر الأرض من أحد أقربائه الميسوريين ، فوافق قريب والدي على ذلك وساعده على شراء الأرض بشرط أن يرد له المال بعد عام واحد ، فشاور والدتي : ولم يكن لها سوى أن دعت الله أن يوفقه لمراده ويتمكن من سداد المال ، واشترى الأرض من مالكها وأذكر أن والدي كان قلقاً مضطرباً بشأن المال الواجب السداد ، فقد كنت أراه يدعو الله دوماً أن يوفقه بنجاح زرعه وثمره ليسدد المال الذي أرَّق مضجعه لأنه يخشى من مال الغير لولا أنه كان مضطراً لذلك ...
     وبفضل الله بعد عام أرجع المال لقريبه وسجل الأرض باسمه دون شريك ، وفتح الله عليه في الأعوام والمواسم التي بعدها واشترى رقع أراضٍ حول أرضه ليضمها لها ، ثم بدأ في توزيع محاصيله على باقي المحافظات وكان يؤجر السيارات لنقل محاصيله ، فاشترى سيارة ثم الثانية والثالثة لنق محاصيله وبهذا تقل التكلفة ... وتوسعت أعماله وأصبح على الحال الذي هو فيه ... ثم ارتشف فنجانه وهو يبتسم ويقول لي : (هاااا .. هل أعجبتك قصة والدي وأبنائه الثمانية ؟؟) فقلت له بغبطة : نعم إن والدك رجل سعى لهدفه وكان همه الشاغل ففتح الله عليه بمثابرته وصبره ... ولكن لماذا  تعمل لديه حتى هذه اللحظة كحمال الآن يمكنك أن تعمل مديراً محاسباً ... تكون مراقباً للعمال  ، فأجاب قائلاً : ( إن العمل من عرق الجبين له متعة خاصة لا يدركها سوى من تلذذ طعمها وهو يدعو الله دوماً بأن يفتح عليه في رزقه).
     فعلاً ... صدق (صالح) ... وقد استفدت من قصة والده الآتي :
1- تحديد الهدف الذي أسعى إليه .
2- أكرس جهودي لنيل الهدف وتحقيقه.
3- دراسة الإمكانيات المتوفرة وتقدير حجم الموارد الضرورية لبدء الأعمال.
4- التطوير الدائم والتوسع والتفكير في المتغيرات وحساب التكاليف.
5- وقبل ذلك كله التوكل على الله والبدء .. والله وحده هو الموفق.
   أرجو أن تكون هذه القصة ماثلاً لنا جميعاً في الصبر والاجتهاد والقدرة على تحمل المصاعب وكيفية فهم العالم من حولنا .. وليس هنالك شيئ صعب أو مستحيل سوى  الذي نقتع عقولنا لو أقنعناها بذلك .... الله المستعان وبه التوفيق.
     

هنالك العديد من الأنواع المتوفرة لنصوص لوريم إيبسوم، ولكن الغالبية تم تعديلها بشكل ما عبر إدخال بعض النوادر أو الكلمات العشوائية إلى النص. إن كنت تريد أن تستخدم نص لوريم إيبسوم ما، عليك أن تتحقق أولاً أن ليس هناك أي كلمات أو عبارات محرجة أو غير لائقة مخبأة في هذا النص.

Comments : 2

  1. هل صالح الإبن الوحيد لوالده أم أن له سبعة من الأخوة

    ردحذف
  2. هل صالح الإبن الوحيد لوالده أم أن له سبعة من الأخوة

    ردحذف

ضع تعليقك هنا

أتصل بي

تليفون :

+20 010 2517 8918

عنوان :

جنب كشك عم حمادة ,طرة البلد
كوكب المريخ

ايميل :

info@pilvia.com